يُعدّ مفهوم “الأخلاقيات من خلال التصميم” مفهوماً حديثاً، وهو نهجٌ لإدراج الاعتبارات الأخلاقية في عمليات تصميم وتطوير النظم والأجهزة التقنية الحديثة. وصحيحٌ أنه يمكن تطبيق هذا النهج على أي تقنية، إلا أن في هذه المقالة، نهدف إلى التركيز على أنظمة الذكاء الاصطناعي، ونحاول أن نناقش كيف نأخذ الأخلاق بعين الاعتبار في التصميم.
إنّ جذور مفهوم الأخلاقيات من خلال التصميم في علم الحاسوب يعود إلى عام 2010. والفكرة الرئيسية وراء ذلك، هي أنه قد يتيح جعل التكنولوجيا أخلاقية من خلال عملية تصميمها. وقد لاقى هذا المفهوم رواجاً في أوروبا عام 2019، لا سيما بعد قرار البرلمان الأوروبي بضرورة وضع سياسة ذكاء اصطناعي شاملة. وفي بحثٍ حول الدراسات السابقة التي تناولت هذا الموضوع، وجدنا أوراقاً، قدمت تعريفًا للأخلاق حسب التصميم، واقترحت مبادئ أخلاقية يمكن التركيز عليها، لكن لم يتمّ تقديم خارطة طريق لها، رغم أنها استعرضت بعض الأفكار التي قد توفّر أساسيات لبناء نهجٍ أخلاقي حسب التصميم.
۱. مسار التطبيق
تكمن الفرضية الرئيسية في أنّ خيارات التصميم ليست محايدة أخلاقياً، بل يمكن أن يكون لها تداعيات أخلاقية كبيرة. ومن المؤكد أن العديد من العواقب المترتبة على تقنيات الذكاء الاصطناعي تعتمد جزئيًا أو كليًا على كيفية استخدامها. ولكن، هذا لا ينفي أهمية التصميم حيث يمكن أن تولّد خياراته أحيانًا آثار سلبية عبر مجموعةٍ واسعةٍ من سياقات الاستخدام. فمثلاً التطبيقات المصمّمة لجمع ونشر المعلومات الشخصية تلقائيًا عن المستخدمين، دون موافقتهم الواضحة، يعدّ انتهاكاً للخصوصية. وتجدر الإشارة إلى أنّ فكرة إمكانية تضمين القِيَم في التصميم ليست جديدة في علم الحاسوب، حيث أنه يتفرّع منها فكرة الخصوصية. ومؤخرًا جرى تداول الشفافية عن طريق التصميم. وإلى جانب ذلك، هناك جانب الأمان حسب التصميم، وهو نهجٌ يتضمّن جوانب السلامة في الأنظمة.
توفّر الأخلاقيات حسب التصميم لمهندسي الذكاء الاصطناعي مهاماً محددة يجب إنجازها أثناء تطوير الأنظمة. لكنها لا تحدّد الكيفية التي ينبغي بها إنجاز تلك المهام، لأنّ ذلك سيتوقف على آليات التطبيق، وعلى قيام الشركات بذلك. ويلعب نهج الأخلاقيات حسب التصميم دوراً مهماً في تزويد المهندسين بطرق العمل بدلاً من مطالبتهم بالدخول فيما يشبه “المداولاتٍ الفلسفية” حول الأخلاقيات. إذ لا يمتلك المهندسون عمومًا مهارات التحليل الأخلاقي، وتقييم الإشكالات الأخلاقية والتخفيف منها، مثل التحيزات وغيرها. وهنا يأتي دور خبراء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الذي سبق وتناولناه في مقالةٍ سابقة.