يثبت الذكاء الاصطناعي أنّه أحد الركائز التي سيتمّ بناء الميتافيرس عليها. بدءًا من معالجة البيانات التي ينشئها المستخدم، ومرورًا باستخدام النماذج التوليدية التي تخلق بيئات افتراضية واقعية، بالإضافة إلى التعرّف على حركات الجسم وجعل تجربة ميتافيرس أكثر طبيعية. وسيتيح الذكاء الاصطناعي أيضًا إمكانية إنشاء شخصياتٍ رقمية تشبه المستخدمين، ويتيح للمستخدمين فهم بعضهم البعض بلغتهم الخاصة من خلال ترجمة الكلام في وقتٍ واحد. لكن قبل أن نتعمّق بالحديث أكثر عن بعض مساهمات الذكاء الاصطناعي في هذا العالم، دعونا نحاول الإجابة على سؤال “ما هو الميتافيرس؟”.
1- تعريف الميتافيرس
يثبت الذكاء الاصطناعي أنّه أحد الركائز التي سيتمّ بناء الميتافيرس عليها. بدءًا من معالجة البيانات إنّ إحدى الصعوبات التي نواجهها اليوم تتمثّل في تحديد ماهية هذا المفهوم بدقةٍ كافية، فالميتافيرس كانت بدايته لأسبابٍ تسويقية بحتة. وسيتذكر أولئك الذين كانوا متّصلين بالإنترنت في التسعينيات من القرن الماضي، مشكلة مماثلة صاحبت تعريف مصطلح “الفضاء الإلكتروني” خلال سنوات تطوّر الإنترنت؛ إشكالية تمّ نسيانها لأنّ الاستخدام الواسع والمستمر يجعل مشكلات التسمية والتعريف تتلاشى، وهذا قد ينطبق على الميتافيرس في السنوات المقبلة. ومع ذلك، لو أردنا وضع تعريفٍ له، يمكننا اعتباره سلسلة من البيئات الرقمية ذات مستويات مختلفة من الانغماس – من متصفحٍ بسيط أو هاتفٍ ذكي، إلى بيئات الواقع الافتراضي بالكامل – مما يسمح بالتفاعل بين العديد من المستخدمين. ومع ذلك، فإنّ الميتافيرس ليس مجرد لعبة فيديو متعدّدة المستخدمين، بل إنه قد يتولّى دورًا مهمًا لتمثيل جزء جديد من الوجود البشري، أو لنَقل طبقة رقمية ستتداخل وتترابط مع الكيان المادي. وسيكون أحد العناصر الأساسية لهذه البيئة الجديدة هو التفاعلات التي سنجريها مع المستخدمين الآخرين، والتي ستقودنا إلى استثمار الموارد – الوقت والموارد المالية – لتحسين مكانتنا وتجربتنا في العالم الرقمي. وسنشتري سلعًا وخدمات رقمية، ربما في شكل NFTs، من الشركات والمستخدمين الآخرين، مما قد يغذي اقتصادًا موازيًا ولكنه مترابط. وعليه، فمفهوم الميتافيرس ونظرًا لغموضه، ولكونه يتطلّب المشاركة الأكبر بين المستخدمين، بالإضافة إلى تأثير شركات التكنولوجيا الكبرى عليه، قد يكون أمام احتمالين: إمّا طريقة جديدة لإثراء وجود المرء، أو أنه فقاعة إعلامية ومضيعة كبيرة للوقت، وهذا يعود تبعًا لكيفية التعامل مع مراحل التنفيذ المختلفة وكيفية استجابة المجتمع لها.
2- الذكاء الاصطناعي في الميتافيرس
سيوفّر الذكاء الاصطناعي دعمًا أساسيًا للميتافيرس، مما يسهّل وصول الأشخاص للبيئات الرقمية، والمساعدة في إنشاء المحتوى والتفاعل بين البشر والعوالم الافتراضية. ونذكر فيما يلي بعض حالات الاستخدام:
⦿ خلق بيئات افتراضية
يتطلّب العالم الرقمي وجود أماكن رقمية للسماح لمن يشغلها بالتنقّل والتفاعل مع البيئة، والقيام بمختلف الأنشطة التي يسمح بها ذلك المكان، سواء كانت غرفة اجتماعات منغمسة بالمناظر الطبيعية الجبلية، أو في الفضاء وما إلى ذلك. وبينما كنا في الماضي، نلجأ للاستعانة بالمطورين لبناء هذه البيئات الرقمية، فإنّ الذكاء الاصطناعي قد يحلّ بديلًا، مع القليل من المدخلات البشرية. وسيكون قادرًا على إنشاء بيئاتٍ موجودة بالفعل في العالم المادي، مما سيولّد مشاهد ثلاثية الأبعاد بواقعية ملفتة من الصور الثابتة، ويتيح لنا محاكاة أيّ مكانٍ موجود في العالم بشكلٍ دقيق. كما سيكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على إنشاء أماكن بناءً على مدخلات يحدّدها المطورون، وتحليل البيئات الملائمة للمستخدمين وفق احتياجاتهم.
⦿ تكوين الصورة الرمزية
على الرغم من أنه من المحتمل ألّا يعرف أحد من نحن في الميتافيرس، إلّا أنه ستكون هناك مواقف مثل اجتماعات العمل التي يستضيفها هذا العالم، حيث قد لا يكون التنكّر خلف اسم مستعار سلوكًا مقبولًا بشكل عام. وفي تلك البيئات، سيكون من الضروري والمفيد أن نكون حاضرين ليس فقط بالاسم الحقيقي، بل أيضًا مع صورة رمزية قد تشبهنا إلى حدّ ما. وهنا، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي وذلك من خلال النماذج التي تحلّل صورنا وتعيد تشكيل صورة رمزية ثلاثية الأبعاد شبيهة لنا.
⦿ رسم الخصائص الجسمية
حاليًا، إذا قضينا بعض الوقت في الواقع الافتراضي، فنحن نعلم أنّ الواجهات الحالية ليست الأفضل. وهذا قد يؤدي إلى فقدان الهدف المتمثّل بإبقاء الناس في الميتافيرس لأطول فترةٍ ممكنة، أو جعلهم يقومون بتسجيل الدخول بشكلٍ متكرّر قدر الإمكان. لذا فإنّ أحد الأهداف يكمن في جعل تفاعلات الواقع الافتراضي أكثر طبيعية، مما يسمح للأشخاص بأداء المهام بسهولة، مثل التقاط كائنٍ ما، أو التلويح بيد لإلقاء التحية على شخصٍ ما وغيرها. وللقيام بذلك، سيجري الاستعانة بالذكاء الاصطناعي الذي سيقوم برصد حركات أجسامنا، والتقاطها من خلال أجهزة استشعارٍ من أنواعٍ مختلفة، ثم تحويلها إلى أوامر أو حركات للصورة الرمزية الخاصة بنا. ولن يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ سيتمكّن أيضًا من نسخ ابتسامتنا وتعابير وجهنا كالعبوس والتثاؤب وما إلى ذلك.
⦿ إضفاء حياة على الشخصيات
في العالم الرقمي، نحتاج إلى أشخاصٍ رقميين. وكما نعلم بالفعل، بات الذكاء الاصطناعي الآن قادرًا على تفسير المدخلات بشكلٍ صحيح، وإنتاج مخرجاتٍ مترابطة، مما يعطي انطباعًا بفهم ما يقال والقدرة على الرد. ويمكن دمج هذه القدرة من خلال نماذج لغوية والتي يعدّ GPT-3 أحد الأمثلة عليها بين العديد من العوامل الرقمية التي ستساعد في انتاج شخصيات افتراضية واقعية للغاية في الميتافيرس. وفي عالم الألعاب عبر الإنترنت، يُطلق على هذا النوع من الشخصيات اسم “الشخصيات الغير قابلة للعب” (NPCs)، أي العناصر التي عادةً ما تكون مشابهة بيانيًا لصورة المستخدم الرمزية. ويكمن الغرض من وجودها القيام ببعض المهام البسيطة، كالإعلان عن بدء مهمة، أو تقديم معلومات وغيرها. وفي الميتافيرس، بفضل الذكاء الاصطناعي، ستتخّذ هذه “الشخصيات غير القابلة للعب” مظهرًا جديدًا تمامًا، وتقوم بمهام أكثر تعقيدًا. بمعنى آخر، لنتخيل مساعدًا رقميًا يساعد المستخدمين المبتدئين على التنقل واستكشاف الميتافيرس، والتعرّف على أخطائهم وحتّى اقتراح طرقٍ لتصحيحها.
⦿ الترجمة الفورية
إنّ الترجمة في الوقت الفعلي هي واحدة من حالات الاستخدام التي أقرتها صراحة شركة ميتا أو فيسبوك سابقًا، والتي ستخصّص جزءًا من حاسوبها العملاق لهذا النشاط. وتكمن الفكرة هنا في تمكين الأشخاص من بلدانٍ مختلفة، كل منهم يتحدّث لغة مختلفة، للتحدث وفهم بعضهم البعض في الوقت الفعلي. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي الذي سيحتاج أوّلًا إلى التعرّف على اللغة التي يتحدّث بها مستخدم واحد، وتفسير كل كلمة، والتعرّف على المعنى، وترجمتها بشكلٍ صحيح إلى اللغة التي يتحدّث بها المحاوِر الآخر، ثمّ إنشاء النص المترجم بتنسيقِ صوتي، ربّما بنفس صوت المحاوِر الأول بحيث قد يتمّ استخدام التزييف العميق (Deep Fake) لمحاكاة الصوت. صحيحٌ أنّه من الناحية النظرية هذا ممكنٌ بالفعل، لكنّه يتطلب موارد هائلة، خاصةً إذا كنا نرغب في القيام بذلك في الوقت الفعلي وعلى النطاق الذي يتطلّبه الميتافيرس. ولعلّ ميتا تدرك ضخامة هذه المشكلة، وتقول إنها تسعى لإيجاد حلول، حيث أعلنت في فبراير/ شباط من العام الجاري، أنّها تعمل على بناء “مترجم كلام عالمي” مدعوم بالذكاء الاصطناعي للغات في الميتافيرس الخاص بها، والذي من شأنه جعل عملية الترجمة غير ملحوظة وتلقائية، مما سيساعد على جعل المحادثات طبيعية.
انه مقال جيد به العديد من المعلومات المفيدة ،،شكرا
شكرا لك لقد كان مفيد حقا ، و لكن هل يمكنك ان تعمل عن الذكاء الاصطناعي و علاقته بالفن ؟؟