بين الذكاء الاصطناعي والخصوصية: هل علينا أن نختار؟

الأحد 23 رمضان 1443ھ الأحد 24 أبريل 2022م
فيسبوك
إكس
واتساب
تيليجرام
لينكدإن
المصدر: Nature

916 كلمة

9 دقائق

المحتوى

نعيش في عصرٍ يشهد انفجارًا كبيرًا للمعلومات، حيث يتم إنشاء كوينتيليون من بايت البيانات يوميًا (كوينتيليون هو الرقم واحد متبوعاً بـ 18 صفرًا)، في حين تتضاعف كمية البيانات كلّ عامين. اليوم، لدينا إمكانية وصول ملحوظة لأي معلومات نحتاجها تقريبًا؛ غير أنّ هذا الوصول له تكلفته في شكل بياناتنا الخاصة؛ أي البيانات مقابل البيانات. إنّ البحث البسيط عبر الإنترنت قد يبدو غير مؤذٍ؛ ولكن قبل الحصول على المعلومات المطلوبة، فإننا نتعرّض لحملة من الإعلانات التي تعرض لنا ما كنّا نبحث عنه. لكن ما الذي يجعل ظهور هذه الإعلانات يحظى باهتمامنا؟

بشكلٍ عام، عندما نستخدم تقنية مثل الذكاء الاصطناعي على هواتفنا الذكية مثلًا، فنحن في معظم الأوقات نكشف عن غير قصد عن بياناتنا الخاصة مثل العمر، والموقع، والتفضيلات وما إلى ذلك. وتقوم شركات التتبّع بجمع هذه البيانات، وتحليلها ثمّ توظيفها لتخصيص تجربتنا عبر الإنترنت. ويمكن لشركات التتبّع هذه أيضًا بيع بياناتنا الخاصة إلى كياناتٍ أخرى دون علمنا أو موافقتنا حتّى. سأناقش من خلال هذه المقالة كيفية وصول الذكاء الاصطناعي لبياناتنا الخاصة، مما يعرّض خصوصيتنا للخطر، وإلى أيّ مدى يشعر المستخدمون ونحن من ضمنهم بالقلق بشأن ذلك.

1- كيف يجمع الذكاء الاصطناعي بياناتنا الخاصة؟

لقد جعلت التقنيات الحديثة مثل كاميرات المراقبة، والهواتف الذكية، والإنترنت عملية جمع بياناتنا الخاصة أسهل بكثير من أيّ وقت مضى. وفي هذا العصر الرقمي، بات من السهل جدًا تتبّع جميع اهتمامات وأنشطة المستخدمين من محادثاتهم أثناء الجلوس في المنزل، أو البحث عن منتجٍ لزيارة مطعم وما شابه ذلك. وإلى جانب هذا الكشف اللاواعي عن البيانات الشخصية، هناك نوعٌ من البيانات التي نقوم بتحميلها بأنفسنا على منصات التواصل الاجتماعي، مثل أن نزور مطعمًا أو متجرًا ونلتقط عدّة صورٍ للطعام، أو المنتج الذي نحبّه وننشرها عبر الإنترنت، حيث يتمّ نقل معظم هذه البيانات إلى أجهزة الحواسيب السحابية التي عزّزت بشكلٍ كبيرٍ احتمال تتبّع هذه المعلومات الشخصية. لنلقي نظرةً على بعض الطرق التي يتطفّل بها الذكاء الاصطناعي على خصوصيتنا من خلال جمع بياناتنا الخاصة:

– المساعدون الرقميون

أصبحت المراقبة المستمرة ميزة منتج لما يسمّى بمساعدي الذكاء الاصطناعي مثل جوجل هوم، وأليكسا وغيرها. ومن خلال هذه الأنظمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكن للشركة الوصول بسهولة إلى ما يتحدّث عنه المستخدمون أثناء مكوثهم في المنزل، حيث تُجمع البيانات الصوتية من منزل المستخدمين، أو أيّ مكانٍ آخر يتواجدون فيه. ثمّ تقوم هذه الأنظمة ببثّ هذه البيانات إلى الشركة الأم، التي تخزّن البيانات المجمّعة وتحلّلها. وبالتالي، يمكن للشركة أن تراقب بسهولة حوارات المستخدمين، وما الذي يفعلونه أو على وشك القيام به دون معرفتهم. وكشفت دراسة بحثية عام 2018، أنّ المستخدمين وعلى الرغم من أنهم يحبون ميزات المساعدين الرقميين لأمن المنزل، إلا أنهم عبّروا عن مخاوف من انتهاكات الخصوصية التي تسبّبها هذه البرمجيات.

– التنبؤات التحليلية

يمكن لخوارزميات التعلّم الآلي أن تستنتج بسهولة المعلومات الحسّاسة من البيانات غير الحساسة. فمثلًا، يمكن التنبّؤ بالحالات العاطفية للأشخاص كالقلق والعصبية والثقة وغيرها بناءً على نمط كتابة الشخص على لوحة المفاتيح. وفي هذا السياق، حقّقت جوجل نجاحًا ملفتًا في جمع البيانات الخاصة. والعامل الرئيسي وراء نجاحها هو أنه أثناء عمليات بحث المستخدمين عبر الإنترنت للحصول على المعلومات، لا يستطيعون إخفاء اهتماماتهم في معظم الأحيان، إذ لا بدّ من إدخال المصطلحات التي تهمّهم في الخانة المخصصة للبحث والحصول على نتائج. وعليه، فإنّ الاهتمامات الأكثر خصوصية، والتي يريد الجميع الحفاظ عليها يمكن القول إنها لم تعد خاصة بعد الآن، ويتمّ جمعها عبر الإنترنت. كما يمكن أيضًا التنبؤ بالآراء السياسية، والعرق، والصحة العامة، من خلال سجلّات الأنشطة والعديد من المقاييس الأخرى.

2- الخصوصية – قلقٌ حقيقي

Between artificial intelligence and privacy do we have to choose B
المصدر: Getty Images

لطالما يركّز العملاء على معلوماتهم الخاصة وعدم الافصاح عنها. ومع ذلك، تستعين الشركات بتحليلات البيانات الضخمة لاتخاذ بعض الإجراءات التي قد تنتهك خصوصية المستخدمين. وعلى سبيل المثال، نذكر ما حصل عام 2016 عندما أعلنت شركة “ديب مايند” والتي تمتلكها جوجل أنها تعمل مع هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS) للتنبّؤ بإصابات الكلى الحادة أو تشخيصها. غير أن تحقيقاً أجرته مجلة “نيوساينتست” كشف أنّ اتفاقًا لتقاسم البيانات مع مؤسسة “رويال فري لندن” التابعة للهيئة سمح لـ “ديب مايند” بإمكانية الدخول إلى بياناتٍ شاملة تضمّ 1.6 مليون شخص، بما فيها معلومات حساسة مثل ما إذا شُخّصوا بفيروس نقص المناعة البشرية، أو ممّن خضعن لعمليات الإجهاض من قبل. وتبيّن لاحقًا أنّ هذا الاتفاق شكّل انتهاكًا لقوانين حماية البيانات. كما طالعتُ مؤخرًا حادثة وقعَت منذ حوالي عقدٍ من الزمن، حيث كانت شركة “Target” للبيع بالتجزئة قد طوّرت خوارزمية ذكاء اصطناعي للتنبّؤ بناءً على أنماط الشراء الخاصة بعملائها. وقد اعتادت إرسال القسائم إلى منازل العملاء. إلّا أنه تبين أنّ هذا النوع من الإجراءات التنبؤية قد مثّل مشكلة لسيدة كانت متردّدة في إخبار والدها عن حملها، لكن تلك القسيمة المرسلة بالبريد أدّت وقتها إلى الإفصاح عن معلوماتٍ بمنتهى الخصوصية.

وكشفت دراسة استقصائية شملت أكثر من 5000 شخص من دولٍ مختلفة، أجرتها شركة “Genpact” الخدمية عام 2017، أنّ 63% من المستجيبين يفضّلون الخصوصية على تجربة العملاء، ويريدون من الشركات تجنّب استخدام الذكاء الاصطناعي في حالة انتهاك خصوصيتهم. كما أظهر حوالي 71 % من المستجيبين مخاوف من أنّ الذكاء الاصطناعي سيتخذ قراراته الرئيسية دون موافقتهم أو علمهم حتّى. كل هذا يشير إلى أنّ هناك مخاوف جادة يبديها المستخدمون حول كيفية ونوع المعلومات الشخصية التي يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي الوصول إليها وخطورة ذلك على مبدأ الخصوصية.

يقدّم الذكاء الاصطناعي مساهمات كبيرة في جوانب عديدة من حياتنا. والمعلومات الهائلة التي يتمّ جمعها وتحليلها اليوم بمساعدة هذه التقنية تدعمنا في معالجة العديد من التحديات والمشاكل التي كان من الصعب حلّها في وقتٍ سابق. ولكن مثله مثل العديد من التقنيات الأخرى، يجلب معه باقة من العيوب من بينها انتهاك الخصوصية. وبعبارةٍ بسيطة، عندما يتمّ استعمال الذكاء الاصطناعي بشكلٍ سيّئ، فإنه قد يكون أكثر ضررًا من كونه مفيدًا. ورغم أنّ هناك محاولات لقوننة الاستخدام من خلال التشريعات واللوائح التنظيمية لإيجاد طرق تحدّ من مخاطر انتهاك الخصوصية للمستخدمين، إلّا أنّ هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن نكون واثقين من أمان بياناتنا الخاصة.

نشرة فهم البريدية
لتبقى على اطلاع دائم على كل ما هو جديد مما تقدمه منصة فهم، انضم لنشرتنا البريدية.
باحث في مجال الذكاء الاصطناعي. كاتب تقني. يرتكز عمله المهني على توفير المهارات الإستراتيجية لدعم وفهم تقنية الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية. أنجز العديد من الدراسات والمقالات العلمية في الذكاء الاصطناعي، وتركّز أبحاثه على التأثير الحقيقي لهذه التقنية في مختلف المجالات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *