يواصل الذكاء الاصطناعي تحقيق إنجازاتٍ في قطاع الرعاية الصحية. ولعلّ المجال الطبي هو التوجّه الأكثر تسارعًا في استخدام هذه التقنية. فتوافر كمياتٍ هائلة من المعلومات والتقارير، وصور الأشعة وغيرها، تشكّل عنصر التغذية الذي تحتاجه نماذج التدريب للنجاح ودخولها حيّز الاستخدام. ويجد المرضى أنفسهم يعتمدون على النهج الرقمي للرعاية الصحية أكثر فأكثر. ووفقًا لشركة “ABI Research” الاستشارية، من المتوقّع وصول الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي والصناعة الدوائية إلى أكثر من 2 مليار دولار مع حلول العام 2025.
إنّ “الروبوتات” و “بوتات الدردشة” هي أحد أوجه هذه التقنية في الرعاية الصحية، لكن يسود إنطباع إلى أنها قد تفتقر إلى العنصر الأهم في تقديم الرعاية الجيدة وهي اللمسة الإنسانية. فهل المطلوب من هذه الأدوات محاكاة التعاطف البشري في مجال الطب؟ هذا ما سنحاول مناقشته في هذه المقالة.
1- استخدامات متعدّدة
تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي العاملين في القطاع الصحي على تحسين الرعاية ورفع جودتها. فعلى سبيل المثال يجري الاستعانة بـ “Asimo” وهو روبوت يساعد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في إطعام أنفسهم. ويعمل “Robear” على الحدّ من الإجهاد البدني للطاقم الطبي من خلال رفع ونقل المرضى. ويجري الاستعانة أيضًا ببوتات الدردشة وهي برمجيات تحاكي الكلام البشري مثل “Woebot” والذي يقوم بتتبّع الحالة المزاجية ويقدم نصائح يمكن أن تقلّل من الاكتئاب والقلق ومشاكل أخرى مرتبطة بالصحة النفسية. كما استطاع برنامج الدردشة الآلي “Shim” المساهمة في تعزيز التفكير الإيجابي باستخدام العلاج السلوكي من خلال سلسلة من الأسئلة يجري طرحها على المستخدم، لاستكشاف جوانب حياته ومناقشة مشاعره وانفعالاته. وغالبًا ما يتمّ الترويج إلى أنّ “مقدمي الرعاية الصحية الاصطناعية” تساهم في حلّ مشكلة نقص الكادر الطبي من البشر، ما يدفع البعض للاعتقاد إلى أن هذه الادوات قد تحلّ مكان الأطباء في غضون عقودٍ قليلة.
2- سمة التعاطف
إنّ الحديث عن محاكاة التعاطف في الروبوتات وبرامج الدردشة الذكية، يمثّل موضع جدلٍ في الأوساط العلمية، حيث أنه لا يمكن لهذه الأنظمة التعاطف المسبق، لأنّ هذه السمة تتطلّب عقلًا إنسانيًا. هذه الفرضية لها بعد فلسفي مرتبط بمعنى أن تكون “إنسان” أو أن يكون لديك عقل بشري. لكن لنحاول تبسيط النقاش أكثر!
وجدت دراسة نُشرت في مجلة الجمعية الأميركية للمعلوماتية الطبية (JAMIA) العام الماضي، أنّ بوتات الدردشة في مجال الرعاية الصحية، تعتبر مفيدةً للغاية وقد تؤدي إلى تحسين النتائج، عندما تتطابق قدرتها على التحدّث بكفاءة مشابهة للبشر. لكن، نفترض أنّه من الصعب على “القائمين بالرعاية الصحية الاصطناعية” محاكاة التعاطف مع المرضى كما يفعل الأطباء أو الممرضون من البشر، وذلك لأنّ قدرة أيّ نظام على تقديم ردودٍ قد تبدو منطقية وتحوي نوعًا من “الأنسنة”، لا تعني أنه قادر على فهم كل التفاعلات أو الأبعاد كما الحال مع البشر. ومن وحي “اختبار تورينج” الذي جرى عام 1950، وهو اختبار يتمحور حول قدرة الآلات على التفكير، قد يكون من المفيد استبدال سؤال “هل يمكن للروبوتات وبوتات الدردشة أن تكون متعاطفة؟” بسؤالٍ آخر حول “هل يستطيع المريض التمييز بين “التعاطف” الذي تظهره هذه الأدوات وبين تعاطف الطاقم الطبي البشري؟”. في دراسةٍ تمّ نشرها في أبريل الماضي، تمكّن أكثر من 30 طفلًا بمتوسط عمرٍ أقلّ من 10 سنوات يتلقّون معالجة عن طريق الوريد، من التمييز بين البوتات المبرمجة لتكون عاطفية، عن الغير مبرمجة على ذلك. وأظهرت فحوصات الدماغ أنّ البشر يدركون محاكاة التعاطف من قِبل هذه البرمجيات، وكذلك القدرة على التمييز بين “المتعاطفة” منها وتلك “الأقلّ تعاطفًا”.
3- تفضيل المريض
نفترض أنّ التقنيات الذكية قد حجزت لها مكانًا في مجال الرعاية الصحية، ولديها قدرة على الوصول إلى المرضى من خلال “تعاطفٍ ما” ولو بشكلٍ محدود في الوقت الراهن. وتجري العديد من التجارب لنمذجة العواطف البشرية بمساعدة الآلات وهناك بالفعل نتائج مذهلة! لكن على الرغم من المستقبل الواعد، يبقى اعتمادها يرتكز على تجربة المريض وتفضيله لطريقة العلاج المتاحة. فهل سيثق المرضى أو يقبلون روبوتات أو بوتات المحادثة كرفاقٍ لهم في أوقات المرض الصعبة؟ خصوصًا أنّ تجربة واحدة سيئة مع هذه الأدوات يمكن أن تؤدي إلى عزوف المريض عن التقنيات الذكية ككلّ.