مع معدلات نجاحٍ إجمالية لا تتخطى نسبة 8%، يُعدّ إجراء التجارب السريرية لتطوير الأدوية مسعى عالي الخطورة بالنسبة لشركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية. ومع ذلك، فإنّ هذه العملية تُعتبَر جزءًا أساسياً من توفير الرعاية الصحية والسعي نحو تحسينها. وبالنظر إلى معدلات النجاح المنخفضة في تلك الصناعة، تبرز الحاجة للسعي من أجل القيام بتحسينات، لا سيما أن هناك عدة مراحل لضمان السلامة والفعالية أثناء تطوير الدواء. وإلى حدًّ بعيد، تعتبَر مرحلة التجارب السريرية هي الأكثر تكلفة واستهلاكًا للوقت؛ بتكلفة تصل إلى 2.6 مليار دولار على مدى حوالي عقد من الزمن. وعليه، هناك فرص للاستفادة من مساعدة الذكاء الاصطناعي وتبسيط عمليات التجارب السريرية من البداية إلى النهاية.
۱. ما قبل التجارب السريرية
قبل بدء التجربة، ينبغي تحديد الأدوية المرشَّحة المناسبة. ويمكن تسريع عملية اكتشاف الأدوية بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وذلك بفضل قدرة هذه التقنية على تحليل كمياتٍ هائلة من البيانات. تمتلك شركة الأدوية “Sanofi” العالمية العديد من شراكات الذكاء الاصطناعي لهذه الغاية، بينما تخطّط شركة الأدوية الدانماركية متعددة الجنسيات “Novo Nordisk” لافتتاح فرع بحثٍ مخصص للذكاء الاصطناعي لاكتشاف الأدوية، وذلك في العاصمة البريطانية لندن.
وفي حالة تجارب علاجات تعديل الجينات، يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي في شكل “كريسبر جي بي تي” أتمتة تصميماتها. ومن خلال تدريبه خصيصًا على تعديل الجينات ومجموعات بيانات تقنية كريسبر، يمكن لمثل هذه الأداة فهم تعقيدات تحرير الجينات، وبالتالي تحديد الأخطاء المحتملة واقتراح التصميمات التجريبية المثالية. وتتزايد تجارب علاجات كريسبر، حيث تمت الموافقة بالفعل على أول علاج من هذا القبيل.
بعد تحديد الدواء المرشَّح، لا بدّ من وضع استراتيجية تنفيذ مناسبة للتجارب السريرية. ويتمثّل أحد مصادر التأخير خلال هذه العملية في اختيار المشاركين والمتابعة معهم. ومع استخدام بيانات عالية الجودة لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي، يمكن لذلك أن يساعد في تصميم الخطة التجريبية، بالإضافة إلى مطابقة وتحسين مجموعات المرضى المختارة.
وبمجرد تحديد تفاصيل تصميم التجربة السريرية، يمكن للشركات محاكاة تجاربها بشكلٍ أكبر، قبل تشغيلها فعليًا، وذلك بمساعدة الذكاء الاصطناعي. وهذا ما تفعله شركة الأدوية الفرنسية ” Nova In Silico” من خلال منصة “Jinko”، التي يمكنها التنبؤ بنتائج واقعية، بدقة تبلغ حوالي 97%، وذلك في تجربة لصالح شركة “أسترازينيكا”. وقد استغرق تصميم التجربة ثلاثة أسابيع فقط وساعة واحدة للتنفيذ.
۲. أثناء التجارب السريرية
لكي تبدأ التجارب السريرية مع المشاركين من البشر، ينبغي في المقام الأول استحصال موافقتهم المستنيرة المطلوبة كتابياً. ويمكن صياغة مثل هذه الوثائق بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي واستعراضها من قبَل الخبراء البشريين لتبسيط العملية. وتعمل شركة “Suvoda” الأميركية لتكنولوجيا التجارب السريرية على مثل هذه النماذج الأولية لتحسين فهم المريض حيال المسارات المطلوبة.
ويمكن أيضًا الاستعانة بالذكاء الاصطناعي كأداة دعم للعملاء والمشاركين أثناء التجارب. ومع تدريب الذكاء الاصطناعي التوليدي على مجموعات البيانات ذات الصلة، يمكن للمرضى طرح أسئلة محددة حول نموذج موافقتهم، بينما يستطيع المهنيين الطبيين تلقّي ملخصات لوثائق التجارب السريرية. كما يمكن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي أثناء التجربة، للمساعدة في تحسين إدارة الموارد. فعلى سبيل المثال، في التجارب متعددة المواقع الجغرافية، يستطيع التنبؤ بالطلبات بناءً على تفاصيل السكان المشاركين، وتخصيص الأدوية والموارد الأخرى وفقًا لذلك. وتستخدم شركة الأدوية البريطانية العملاقة “جلاكسو سميث كلاين” والمعروفة اختصارا “GSK” الذكاء الاصطناعي بالفعل لإجراء مثل هذه التنبؤات وإبلاغ عملائها بالتوزيع والمخزون.
۳. بعد التجارب السريرية
عند الانتهاء من التجربة السريرية، يتعين على شركات الأدوية تحليل مخرجات البيانات والنتائج السريرية. ويمكن أن يمثل هذا مهمة شاقة بالنسبة للباحثين. إلا أن تقنية الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد في هذه العملية. وقد طورت شركة “Roche” أداة ذكاء اصطناعي توليدي لهذا الغرض. ويمكن لهذه لأداة التي تحمل اسم “RocheGPT” تحليل نتائج التجارب السريرية والمنشورات العلمية لإنتاج بياناتٍ منظَّمة ذات صلة بالعلاجات والمرضى. كما يمكن لأداة مماثلة أيضًا توفير دعم بعد التجربة للمرضى، على شكل روبوت دردشة، يمكنه جمع ردود الفعل من المرضى حول تجربتهم، وكذلك حول صحتهم الجسدية والعقلية. وفي حالة احتياجهم للمساعدة، يمكن للأداة أن ترشدهم إلى الخدمات الصحية، وجهات التواصل المناسبة.