أفضت تداعيات “كوفيد 19″، إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته بشكلٍ أوسع خلال العام الماضي، ولم يكن تأثير هذه التقنية بعيدًا عن عالم التوظيف. ومنذ بداية الجائحة، لجأ عددٌ متزايد من الشركات إلى استخدام الأنظمة الذكية في هذا المجال، من استخدام خوارزميات التعرّف على الوجه، أو الأسئلة أو التقييمات وما إلى ذلك، للمساعدة في تحديد المرشّحين المؤهلين لإجراء مقابلاتٍ معهم. في هذه المقالة نحاول الإضاءة على أبرز فرص الذكاء الاصطناعي في التوظيف والتحديات التي تواجهه.
1- عمليات التحسين
شكّل الذكاء الاصطناعي والتحوّل الرقمي أحد الاعتبارات الأساسية بالنسبة للشركات حول العالم، حتى ما قبل ظهور الوباء. ومن الأمثلة على ذلك، نذكر شركة “فودافون” للاتصالات. ففي كل عام، يتقدّم إليها أكثر من 100 ألف خرّيج جامعي لشغل 1000 وظيفة فقط. وفي محاولةٍ للتعامل مع هذا الكمّ الكبير من المرشّحين، تعاقد قسم الموارد البشرية مع “HireVue” وهي شركة تقوم بتطوير أدوات لتقييم ما قبل التوظيف، وذلك بهدف اختبار تطبيق ذكاء اصطناعي “يزيل التحيّز البشري” من عمليات التوظيف. أمّا عن طريقة عمل النظام فهو يقوم بتحليل المقابلات المرئية، بدءًا من انتقاء المُرشَّح للكلمات ووصولًا إلى تعابيره الوجهية، ونبرة الصوت وذلك لتعيين درجة قابلية التوظيف للمرشَّح، التي تتم مقارنتها مع درجات المتقدِّمين الآخرين. كما يقوم البرنامج بتحديد المرشحين الأكثر جدارة، والغير موصى بهم. وخلصت “فودافون” إلى أنّ نظام الذكاء الاصطناعي تتقاطع نتائجه مع التقييمات الداخلية بنسبة 70% فيما يخصّ المرشحين “الموصى بهم بشدّة”. ووفقاً لصحيفة “واشنطن بوست“، فقد قامت أكثر من 100 شركة فعلًا بتطبيق أداة “HireVue” على أكثر من مليون متقدِّمٍ للعمل لديها.
2- تمكين القائمين
نفترض أنّ مسؤولي التوظيف سيبقى لهم دائمًا، دورٌ رئيسيّ في عمليات التوظيف، على الأقلّ في المدى المنظور. لكن يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدتهم في أتمتة المهام الروتينية لزيادة إنتاجية التوظيف، وحتّى تعزيز تجربة المرشّحين بما يعكس قيم الشركة وعلامتها التجارية. فمثلًا يتمّ اعتماد هذه التقنية لمطابقة الوظائف مع قواعد بيانات المرشّحين الكبيرة أو الحد منّ مشكلات الجدولة. كما يجري الاستعانة بروبوتات الدردشة للمشاركة في محادثات مع المتقدّمين، لإبلاغهم بتفاصيل المنصب مثلًا أو الإجابة عن أي استفسار ذات صلة. كما هو الحال مع شركة “PredictiveHire” التي يقع مقرها في أستراليا، والتي توفّر روبوت دردشة يطرح سلسلةً من الأسئلة في مقابلة مفتوحة على المرشحين، ثم يحلّل ردودهم لتقييم سمات الشخصية المرتبطة بالوظيفة مثل المرونة والقيادة وغيرها.
3- تقييم الكفاءات
تقدّم “لينكد إن” وهي منصة تواصل اجتماعي تتمحور حول العمل، تطبيق “LinkedInRecruiter” المدعوم بالذكاء الاصطناعي. ويساعد التطبيق مسؤولي الموارد البشرية على بناء مجموعات المواهب من المرشّحين، بغية تحسين إمكانيات التوظيف الناجح. وتعمل خوارزميات التطبيق على إجراء مسحٍ في حسابات الأفراد بحثًا عن المواهب التي ليست بالضرورة أن تكون في وضع البحث عن عمل. وتكمن الغاية من وراء ذلك، في ترشيح من يمكن أن يشغل مناصب مستقبلية لدى الشركات. وبعد ذلك، يمكن للقائم على التوظيف الاعتماد على مجموعات المواهب هذه، والإبلاغ عندما يكون المنصب الذي يتأهلون له متاحًا.
4- تحديات مواجِهة
قد عدّدنا أعلاه بعض المزايا التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي في مجال التوظيف، ولا يتّسع مقال واحد لذكرها كلّها. لكن في المقابل، تواجه هذه التقنية صعوبات أبرزها التحيّز الذي يعدّ أحد أكبر العيوب في تطبيقات هذه التقنية، سواء في التوظيف أو أيّ مجالٍ آخر. ذلك أنه قد يكون من الصعوبة التنبُّؤ بأيٍّ من المرشحين للوظيفة أنه سيكون ناجحاً في عمله، من خلال الارتكاز على تحليل معطيات مثل تعابير الوجه أو لغة الجسد وغيرها. كما تبرز إشكاليات أخرى مرتبطة بتدريب الخوارزميات بكمياتٍ كمية من البيانات المنظّمة وكذلك غير المنظّمة. وعليه، فإنّ أي تباينٍ في هذه البيانات يمكن أن يؤدي إلى توسّع التحيّزات في النظام. وأيضًا هناك محدودية البيانات التي يتمّ تدريب الخوارزميات عليها، ما قد ينتج عنها وقوع التمييز ونتائج “غير منصِفة” كإعطاء أفضلية لذوي البشرة الفاتحة أو الذكور على حساب الإناث. كما تبرز مخاوف من أنّ الخطاب الذي ينصبّ فقط على التحيّز والتمييز، قد يسمح للشركات التهرّب من قضايا أخرى مرتبطة بحقوق العمال وما إلى ذلك، بذريعة أنّ أدوات التوظيف الذكية تعدّ بديلًا “أكثر عدالة” للتوظيف المعتمِد على الإنسان، وأنّه بالإمكان تعديل الخوارزميات، في حين أن تصحيح التحيّزات البشرية يعدّ شيئًا صعبًا.
5- ما بعد الجائحة
صحيحٌ أنّ “كوفيد 19” قد فرض حدوث تغييرات على آليات العمل، مثل الانتاجية عن بعد، وإعادة تصميم المساحات المكتبية، واستخدام أكبر للمؤتمرات الافتراضية والاجتماعات عبر الإنترنت. إلّا أنها أبرزت كذلك، تحدياتٍ للشركات للسعي نحو إيجاد استراتيجيات جديدة للتوظيف. ونفترض أنها لن تكون “حدثًا عابرًا” بفعل الوباء فحسب. ونتوقّع رؤية المزيد من التطبيقات الذكية التي أيضًا قد تكون مشمولة مع ابتكارات الواقع الافتراضي (Virtual Reality) في مكان العمل.
ومع البحث الذكيّ عن السير الذاتية للمتقدّمين، يمكن اختيار أولئك الذين يقولون إنّ لديهم خبرة لمنصبٍ ما بسهولةٍ أكبر. ويمكن أن يُطلب من المرشحين إظهار مهاراتهم قبل التعاقد معهم عبر تجارب محاكاة الواقع الافتراضي فيما بعد! وفيما لا ننفي وجود مخاوف من حلول الروبوتات مكان العاملين البشر في المستقبل، إلّا أنه لا يمكن إنكار الفوائد الاقتصادية لتقنية الذكاء الاصطناعي في مجال الأعمال والتوظيف، سواء كنّا نؤيد هذه التقنية أو نعارضها.