كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في مستقبل أمن المناخ؟

الأثنين 15 ذو القعدة 1441ھ الأثنين 6 يوليو 2020م
فيسبوك
إكس
واتساب
تيليجرام
لينكدإن

775 كلمة

7 دقائق

المحتوى

المصدر: NOAA

“الذكاء الاصطناعي سيغير حياتنا من خلال… المساهمة في التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه”. بهذه العبارات تستهلّ المفوضية الأوروبية تقريرها حول الذكاء الاصطناعي الذي نشرته في فبراير الماضي. ويتوافق ذلك مع ورقة لجنة أخلاقيات البيانات في ألمانيا حول أنّ “الذكاء الاصطناعي يحمل إمكانات هائلة… لتنفيذ تدابير فعالة لحماية المناخ”. هذه التقارير تؤكّد أنّ هذه التقنية لها دورٌ في حلّ أزمة المناخ، إلا أنّ الاهتمام ينصبّ في الوقت الراهن على استخدامها في إمدادات الطاقة المتجدّدة، وجعل أسواق الطاقة أكثر كفاءة، مع التركيز بشكلٍ أقل على تطبيقات الأمن المناخي. ومع ذلك، سنحاول في هذه المقالة تناول أبرز المساهمات الممكنة للذكاء الاصطناعي في الأمن المناخي مع طرح بعض التحديات في السياق:

١- تنبؤ أكثر ثقة

إنّ قدرة الذكاء الاصطناعي على تسخير البيانات الضخمة وتحديد الأنماط بسرعةٍ في هذه البيانات، يجعله أداة قادرة على التنبؤ. وهناك العديد من الفرص للاستفادة من هذه القدرة  لتعزيز الأمن المناخي. ومن الممكن استخدامه للتنبؤ باحتمالات وشدة الظواهر الجوية القاسية كالاعاصير، وحرائق الغابات، والجفاف. ويساعد فعليًّا الباحثين في تحقيق دقةٍ تفوق الـ 88% وتصل إلى 99% في تحديد الأعاصيرالمدارية والطقس. ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي أيضًا لضبط نماذج المناخ الحالية، بحيث يصبح من الممكن التنبؤ بشكلٍ أفضل بارتفاع مستوى سطح البحر وسخونة الغلاف الجوي. وتعتمد تقييمات المناخ عادةً على نماذج مناخية عالمية يتمّ تقليصها للحصول على المعلومات على المستويين الإقليمي والمحلي. ونظرًا لأن عملية التقليص هذه تكون غالبًا عمليةً غير كاملة، فإنّ الذكاء الاصطناعي يوفّر القدرة على إقران هذه النماذج المصغّرة ببيانات محلية مثل تقارير الطقس وغيرها وذلك من أجل بناء نماذج تدريب أكثر دقة. وضمن قدراته التنبؤية أيضًا المساعدة على إنقاذ الحياة البرية والمحافظة على التنوّع البيولوجي، ويعدّ مشروع الحماية المساعدة لأمن الحياة البرية (PAWS) أحد الأمثلة الواضحة، حيث يتم الاستعانة بنموذجٍ للتعلّم الآلي للتنبؤ بمكان حدوث الصيد غير المشروع وذلك لحماية الأنواع المهددة بالانقراض.

٢- مراقبة المسارات المناخية والبيئية

JD bfAHbVp5Pod 6LYQcYjCHTpP3Fdw 7sRE3VtTAJrP4lS5a9U4jieP10k6D1nmCjkQneJC3SnfY8PZ7HSV8S4XJfIDkN0YjoLzpQ0KIS6M8p2krIXM7lCjwE
ناشونال جيوغرافيك

يساعد الذكاء الاصطناعي الباحثين والجهات الحكومية في مراقبة محدّدات وآثار الاحتباس العالمي. وفي الصين، يتمّ استخدام  مبادرة “الآفاق الخضراء” (Green Horizon) لشركة “آي بي إم” وهو نظام ذكي لتتبّع مصادر التلوث ويوصي بطرق العمل الملائمة للحدّ من مستويات الضباب الدخاني مثل إغلاق محطات الطاقة وما إلى ذلك… كما يمكن له مراقبة وتعزيز قدرات الأتمتة الحاسوبية التي توفرها هذه التقنية في جهود إزالة الغابات وحالة الحياة البرية، وهذا ما تقوم به منظمة “Long Live the Kings” الأميركية التي تستعين بالذكاء الاصطناعي لتعقّب حركة سمك السلمون وبناء نماذج تساعد في حماية مَواطِن انتشارها.

٣- اقتصاد أكثر استدامة ومرونة

k5A0td8q0

يقدّم لنا الذكاء الاصطناعي أدوات يمكن أن تجعل القطاعات الحيوية أكثر قدرةً على الصمود في مواجهة التداعيات المترتّبة على  تغيّر المناخ. وقد ساهم في تمكين “الزراعة الذكية”، وهي أساليب زراعية مبتكرة تعتمد على البيانات والتكنولوجيا الناشئة في الزراعة بكفاءةٍ أكبر وإنتاج محاصيل أكثر مرونة. ففي الهند، سمحت هذه التقنية للمزارعين بتحقيق عائدات أعلى بنسبة 30 في المائة لكل هكتار من الأراضي عبر تزويدهم بمعلومات عن كيفية وضع التسميد وتحديد توقيت الزراعة المثالية. وفي الوقت نفسه، تسمح القدرات التنبؤية للذكاء الاصطناعي المزارعين في توقّع الجفاف، الأمر الذي يسمح لهم بالقيام بالاستعدادات اللازمة في وقتٍ مبكر. ومن جهةٍ أخرى، يمكن له أيضًا تقوية شبكة الكهرباء، إذ يستخدم مختبر المسرع الوطني (SLAC) التابع لوزارة الطاقة الأميركية التعلّم الآلي لتحديد نقاط الضعف في شبكة الكهرباء في كاليفورنيا وتقويتها قبل وقوع أي أعطال.

٤- لا يخلو من المخاطر!

لا شكّ أنّ الذكاء الاصطناعي يقدم طريقًا واعدًا للمضيّ قدمًا في السعي للتكيف مع تغيّر المناخ. لكنّه مثل أيّ نظام تكنولوجيا معلومات يمكن اختراقه. فالأنظمة المعقّدة التي يتمّ وضعها لتوفير الإنذار المبكر من الطقس القاسي أو تحسين إنتاج شبكة الطاقة عُرضة لتهديدات القراصنة. وإذا ما تعطّل أحد هذه الأنظمة قد تكون العواقب مدمّرة. كما أنه من الصعب تفسير طريقة عمل هذه التقنية، التي تبدو مثل الصندوق  السوداء، ما يجعل من المستحيل شرح القرارات المعقّدة التي تتخذها الخوارزميات. وفي حال فشل النظام وتسبّب بخسائر في الأرواح، سيكون من الصعب تبرير عملية صنع القرار المبهم أصلًا. كذلك، فالنتائج المتأتّية عنه ليست خالية من التحيّزات، ويتطلّب كلّ نموذج وضع افتراضات معينة، وهناك خطر حقيقي من أن بعض نماذج التدريب، قد تكون متحيّزة تجاه مفاهيم معينة أو مجموعات عرقية أو اجتماعية أو اقتصادية وما إلى ذلك. ومن المخاطر الغير مباشرة أيضًا، الاعتماد المفرط على هذه التكنولوجيا. صحيحٌ أنها توفّر القدرة التنبؤية، إلا أنّ النماذج ليست مثالية أبدًا، وهناك احتمال بأنّ المعنيين باتوا أكثر ثقةً في قدرة الذكاء الاصطناعي. وفي مجال تغيّر المناخ، يمكن أن يؤدي هذا التمادي في الثقة إلى إهدار الموارد وحتى فقدان الأرواح وغيرها.

وعلى الرغم من المخاطر التي ذكرناها، يعدّ الذكاء الاصطناعي أداةً قوية ومتعددة الاستخدام في مجال أمن المناخ، سواء من حيث الاستعداد أو الاستجابة. بدءً من إدارة وتنظيم تدفّق اللاجئين بعد وقوع كارثة جوية شديدة، وصولًا إلى السيطرة على الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية. ولكن حتمًا سيكون من الأفضل استخدام قدر أقل من الذكاء الاصطناعي مقابل مزيد من العقل البشري للتخفيف من حدّة تغيّرالمناخ والمحافظة على الأمن المناخي.

نشرة فهم البريدية
لتبقى على اطلاع دائم على كل ما هو جديد مما تقدمه منصة فهم، انضم لنشرتنا البريدية.
باحث في مجال الذكاء الاصطناعي. كاتب تقني. يرتكز عمله المهني على توفير المهارات الإستراتيجية لدعم وفهم تقنية الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية. أنجز العديد من الدراسات والمقالات العلمية في الذكاء الاصطناعي، وتركّز أبحاثه على التأثير الحقيقي لهذه التقنية في مختلف المجالات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *