نحن نعيش في عصر الذكاء الاصطناعي حيث نشاهد تطورات شبه يومية وتطورات على جميع الأصعدة باستخدام الذكاء الاصطناعي. أحد أبرز هذه المجالات السيارات الذاتية القيادة التي تشكل مردود اقتصادي كبير وستقلل من الحوادث وتزيد من الرفاهية في السيارات. إلا أن هناك جوانب سلبية ومشاكل ستسببها السيارات ذاتية القيادة أبرزها ما يلي:
1- الازدحام المروري
تعاني الكثير من المدن الكبيرة ازدحاما كبير في الشوارع وعندما تتاح تقنيات السيارات ذاتية القيادة وتقل أسعارها مع الوقت يسكون استخدامها أكثر أريحية بكثير من القيادة أو ركوب وسائل النقل العامة. ذلك سيزيد من أعداد السيارات بشكل عام ويفاقم ازمة ازدحام المدن. صحيح ان السيارات ذاتية القيادة الكهربائية اقل تلويثا للبيئة، لكن عندما يزيد استخدامها بشكل كبير سيزيد استهلاك الطاقة وبالتالي قد يزيد من انبعاثات الكربون فيما يعرف برد الفعل العكسي rebound effect. في بداية عام ٢٠٢١ أطلق مشروع ذَا لاين في مدينة نيوم والذي يهدف إلى الاستغناء عن السيارات والشوارع وبالتالي القضاء على مشكلة الازدحام المروري من جذورها واستبدالها بقاطرات فائقة السرعة ومقطورات ذاتية القيادة تحت الأرض بدون مشاة ستساهم في تخفيف انبعاثات الكربونز.
2- فقدان الثقة
على الرغم من أن وسيلة الدعاية المستخدمة من مطوري السيارات الذاتية القيادة أنها أكثر أمانا من البشر (تقود لملايين الأميال بحوادث قليلة مقارنة بنصف مليون ميل لكل حادث بالنسبة للبشر) إلا أن التقنية تعاني من مشكلة البقعة العمياء blind spot وذلك لأنها تستخدم تقنيات التعلم العميق (Deep Learning) في الاستشعار (perception). وفي بعض الأحيان (مثل ما حدث مع سيارة اوبر عام 2018) قد تسبب حوادث مميتة تحت ظروف معينة لم تكن من ضمن مجال تدريب الشبكات العصبية الاصطناعية (Neural Networks). الضجيج الإعلامي لهذه الحوادث المتكررة قد يقيض الثقة عند سائقي هذه المركبات في سلامة الأنظمة المستخدمة. للتخفيف من هذه الآثار اقترح Melba Kurman في كتابه driverless استخدام معيار لقياس سلامة السيارات ذاتية القيادة يكون سهل الفهم للعامة. مثلا عند بداية انتشار السيارات تم استخدام عدد الأحصنة لتقييم قدرة المحرك كون الأحصنة هي وسيلة النقل الأساسية آنذاك. معيار السلامة للقيادة الذاتية يفترض أن يكون من طرف ثالث ليس الشركة المصنعة حتى يثق المشتري ويستطيع اختيار السيارة ذاتية القيادة بناء على معيار سلامتها.
3- خسارة الجانب الاجتماعي
تعد السيارات والحافلات وغيرها من وسائل التنقل وسيلة تواصل اجتماعية بشرية يتبادل فيها الناس الأحاديث الجانبية، وفِي كثير من الأحيان يعزز الجوانب العائلية عندما يقوم الآباء والأمهات بقضاء مشاوير أبنائهم. خسارة هذه الجوانب الاجتماعية والعائلية بسبب السيارات الخالية التي تقود نفسها سيزيد من الآثار النفسية والتي تلقت كثير من الصفعات عام ٢٠٢٠ بسبب جائحة كورونا التي فتكت بالملايين وتسببت في عزل البشرية عن بعض. هناك عدة محاولات من الشركات المصنعة للسيارات ذاتية القيادة باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي VR في السيارات لترفيه الركاب أثناء الرحلات وزيادة الجانب الاجتماعي تقنيا.
4- تحديد المسؤولية في الحوادث
منذ بدء السيارات بالانتشار الواسع عالميا منتصف القرن الماضي بدأت الحوادث في الوقوع وكان السائق يتحمل التبعات القانونية للحادث بنسبة كبيرة وبنيت معظم القوانين على هذا الأساس. الحالة مختلفة مع السيارات ذاتية القيادة، فمن يتحمل المسؤولية عند وقوع حادث بسيارة ذاتية القيادة؟ هل هو الراكب، الشركة المصنعة أم مهندس البرمجيات المسؤول عن برنامج القيادة الذاتية؟ لا يمكن تحديد المسؤولية بسهولة، قد يتسبب ذلك في غضب شعبي تجاه تلك الشركات. تكمن المشكلة حاليا أن كل الشركات المطورة للتقنية تتطلب وجود سائق خلف المقود لتفادي اي خلل اضطراري. هذه الازدواجية في المهام بين السائق الثانوي وبرمجيات قيادة السيارة قد تتسبب بعدم قيام كل منهما بالعمل بشكل سليم للاتكال على الطرف الآخر. ذلك قد يزيد من الحوادث وبالتالي قد تدفع بعجلة قوانين تحد من هذه التقنيات وقد تتعطل عجلة التنمية في قطاع السيارات ذاتية القيادة من ١٠ الى ١٥ سنة. في نهاية عام 2020 قامت شركة أوبر أحد أكبر اللاعبين في القطاع بحل مركز أبحاثها الخاص بالقيادة الذاتي للسيارات واستحوذت على حصة في شركة مهتمة بالشاحنات ذاتية القيادة ذات المخاطر الأقل والتقنيات المتوفرة حاليا.
5- خسارة وظائف سائقي سيارات التوصيل والأجرة
عدد سائقي شركة أوبر العالمية يصل لـ 3 مليون سائق بالإضافة لعشرات ملاين السائقين في سيارات الأجرة وخدمات التوصيل والذين يعتمدون على هذه الوظائف في إعالة أهاليهم وقضاء حوائجهم اليومية. ستقضي السيارات ذاتية القيادة في حال انتشارها الواسع وانخفاض أسعارها على كل تلك الوظائف مما سيسبب عدد كبير من العاطلين عن العمل وسينعكس ذلك سلبا على استقرار المجتمعات وازدياد نسب الجرائم وغيرها. إعادة تأهيل كل السائقين وتدريبهم ليتمكنوا من العمل في الوظائف المختلفة يعد بالمهمة شبه المستحيلة. لا تزال فرضية استبدال هذه الوظائف بوظائف جديدة محل نقاش وتنظير أكاديمي على الرغم من قرب تطوير تقنيات القيادة الذاتية للسيارات مثل التحديثات الجديدة في أنظمة سيارات تسلا التي تمكن القيام ببعض مهام القيادة الذاتية داخل المدن. قد تشكل احتجاجات السائقين ضغطا على حكومات العالم لتطر إلى إيقاف وتنظيم مثل هذه التقنيات للحفاظ على بعض وظائف السائقين مؤقتا حتى يتسنى تدريب وتأهيل نسبة كبيرة منهم لوظائف مختلفة.