عملياً، من المستحيل التحقّق من كمية المحتوى اللامحدود الذي يتم إنشاؤه على المواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الإجتماعي، والمدوّنات وما إلى ذلك. ومع تفشي فيروس كورونا بدأت الكثير من المنصات من نشر المعلومات الطبية غير الدقيقة حول الفيروس، بما فيها توجيهات منسوبة لخبراء وتقديم علاجات زائفة. وهذا ما أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية مصطلح “وباء المعلومات المضللة”. سنناقش في هذه المقالة تطبيقات الذكاء الاصطناعي في محاربة الأخبار المفبركة والحدّ منها من خلال استخدام هذه التقنية مع عرض تحديات تواجه هذه التقنية.
1- التحقّق من المنشورات
لقد أدّى “وباء المعلومات المضللة” إلى وقوع الكثير من عمليات التضليل بين الناس حول العالم، مثل أن فيروس كورونا هو سلاح بيولوجي تسرّب من مختبر صيني، أو أن سبب الفيروس هو تقنية الـ “5 جي” التي ستؤدي إلى امتصاص الأكسجين من الرئتين وغيرها من الإشاعات. لذلك فأبسط استراتيجية للتعامل مع المعلومات الخاطئة تكمن في تعزيز المعلومات الصحيحة. وتستعين شركات التكنولوجيا مثل فيسبوك على تقنية التعلّم الآلي للتخلّص من المنشورات المضلّلة عن فيروس كورونا في محاولة لخفض المعلومات الخاطئة، حيث تعمل التقنية على تمرير المحتوى إلى مدققي الحقائق من البشر، وعندما يتمّ وضع علامة عليها من قبل المدققين والمنظمات الصحية، تظهر رسالة لدى المستخدمين الذين يريدون مشاركة المنشور على أنه غير صحيح. لكنّ تخفيض المعلومات الخاطئة أو منعها من الظهور في المقام الأول يعدّ أكثر صعوبة، خصوصاً أن المدققين لا يمكنهم مواكبة الكثير من المعلومات الخاطئة يومياً. ورغم أننا لا نزال بعيدين عن إنشاء ذكاء اصطناعي متكامل ضد التضليل لكن ذلك قد يشكّل بارقة أمل في المستقبل، وإن كان هناك الكثير من الصعوبات مثل النقص في بيانات التعلّم العميق وتحليلها بأسلوب خاطئ، وهذا ما يؤكده إعلان كبرى شركات التكنولوجيا مثل جوجل وتويتر في وقتٍ سابق، من أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى إزالة محتوى غير مضلّل عن طريق الخطأ.
2- تقديم المعلومات الموثوقة
لا يمكننا الهروب من الأخبار حول الفيروس التاجي هذه الأيام، فنحن جميعاً معنيون بما يحصل. لكن الإفراط في وفرة المعلومات في عالم الإنترنت يجعل من الصعب على الأشخاص العثور على مصادر وإرشادات موثوقة عندما يكونون في أمس الحاجة إليها. وإحدى أساليب الذكاء الاصطناعي التي تمّ اللجوء إليها، هو الاستعانة بروبوتات الدردشة، كما حصل في مدينة شنغهاي الصينية التي تستعين بهذه الروبوتات لإجراء محادثات مع سكان المدينة و إمدادهم بالمعلومات الدقيقة حول الأسئلة والإرشادات المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا. وتستطيع هذه الروبوتات إجراء 200 مكالمة خلال 5 دقائق ما يوفّر الوقت والجهد، ويتيح وصول المعلومات الموثوقة إلى أكبر شريحةٍ ممكنة من الناس. كما تعمل شركة “Stallion” الكندية على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي من خلال معالجة اللغات الطبيعية لبناء مساعدين صحيين افتراضيين بلغاتٍ متعددة يمكنها الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالفيروس وتوفير المعلومات الصحيحة المتعلقة بتدابير الحماية والتحقّق من الأعراض، وتقديم المشورة للأفراد حول حاجتهم للذهاب إلى المستشفى أو العزل الذاتي في المنزل.
3- التعقّب الرقمي
هي الحلول المعتمدة على خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتي لا تكتفي برصد الشائعات فحسب، ولكنها تعمل على تتبّع انتشارها، وتعقّب مصدرها، وتقييم عناصرها بشكلٍ فوري ومنظم. وتكمن فائدة ذلك حالياً في أنّ الكثير من المفاهيم الخاطئة الشائعة حيال فيروس كورونا تنتشر عبر الانترنت. ومن أبرز الأمثلة، نذكر منصة “Bot Sentinel” وهي منصة تستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي لدراسة حسابات تويتر وتعقّبها وتصنيفها على أنها جديرة بالثقة أم لا، بالإضافة إلى التعرّف على برامج الروبوتات التي تنشر المعلومات بشكلٍ آلي. ويستخدم مطورو هذه المنصة البيانات التي يجمعونها لاستكشاف تأثير هذه البرامج واستكشاف المعلومات التي تنشرها. كما تقدم أداة “Faker Fact” تقييماً حول الغرض من المعلومات وخصائصها وموضوعيتها.
4- آفاق مصحوبة بالعقبات
هناك جهودٌ حثيثة تُبذل لتعزيز الاستعانة بتقنية الذكاء الاصطناعي في مكافحة المعلومات المغلوطة والتضليل. وفي ورقة قدمت في مؤتمر “Neur IPS” للذكاء الاصطناعي العام الماضي، قدّم باحثون من شركة “Darwin AI” و جامعة “واترلو” الكندية نظام ذكاء اصطناعي يستخدم نماذج لغوية متقدمة لأتمتة اكتشاف المعلومات، تعتمد على قياس درجة سمعة مصدر المعلومات بناءً على جودة المضمون واللغة، وغيرها من المعايير، وهذا يشكّل خطوة أولى مهمّة نحو تحديد التضليل ومواجهته. وما يستوجب تعزيز هذه الجهود هو البيان المشترك الذي صدر عن شركات مثل غوغل وفيسبوك وتويتر ومايكروسوفت والذي حذّر من تأثير المعلومات المغلوطة على أمن المجتمع الرقمي لا سيما مع انتشار فيروس كورونا. لكن، تبرز الكثير من التحديات لتحقيق هذه الغاية، فالذكاء الاصطناعي الذي يرتكز عمله على البيانات، لا يزال بحاجةٍ للكثير من التدريب والتحسين على مواجهة الأخبار الزائفة لا سيّما في الأزمات المستجدة كما يحصل في أزمة فيروس كورونا. وفي بعض الحالات نشهد أن التعلّم الآلي يعمل على اتخاذ قرارات غير دقيقة في عمليات مكافحة المعطيات الزائفة، كما ذكرنا في النقطة الأولى أعلاه، وذلك يعود إلى النقص في البيانات الدقيقة أو معالجتها بأسلوب خاطئ ما يستوجب التدخّل البشري لإصلاحه. وفي النهاية، يمكن القول إنّ مكافحة الأخبار والمعلومات المغلوطة تشكّل تحديًا معقّدا. وسيكون من غير المعقول في الوقت الراهن أن نتوقع من تقنيات الذكاء الاصطناعي الكثير في هذا المجال، لكن هناك أملٌ في أنّ استخدام تقنية التعلم العميق سوف يساعد بشكلٍ أكبر في أتمتة بعض الخطوات للكشف عن مصادر المعلومات والأخبار وزيادة قدرة وكفاءة مدققي الحقائق من البشر والمنظمات خصوصاً الصحية منها. أما فيما يخصّ فيروس كورونا، فكلّ ما علينا فعله هو أن نستقي معلوماتنا حوله من المصادر الموثوقة كمنظمة الصحة العالمية والجهات الرسمية حتى نتمكن من اتخاذ إجراءات الوقاية والحماية الصحيحة.