المصدر: National Institute of Allergy and Infectious Diseases NIAID/NI
مع التقارير الواردة عن تفاقم فيروس كورونا في العالم، والمعروف أيضًا باسم “كوفيد – 19″، يبدو أنه لم يعد من الممكن اعتبار المضادات الحيوية علاجاً فاعلاً أمام تطور البكتيريا والفيروسات. ومن المتوقّع أن يموت ما يقرب من 700000 مريض حول العالم بسبب ما يسمى بالعدوى المقاومة للأدوية، على أن يصل إلى 10 ملايين ضحية بحلول عام 2050. أرقام تحذيرية وردت في التقرير الصادر عن الأمم المتحدة إذا لم تتخَذ جميع الإجراءات المطلوبة لتغيير جذري.
1- تحديات ما بعد المضادات الحيوية
تحذيرات كثيرة بدأت تظهر معالمها، أننا ندخل الآن حقبة ما بعد المضادات الحيوية، في وقت أصبحت فيه هذه المضادات عديمة الفائدة إلى حد كبير.لقد خلقنا هذه الأزمة من خلال الإفراط في استخدام المضادات الحيوية في علاج البشر والحيوانات والمحاصيل الزراعية. لقد تكيفت البكتيريا والفيروسات مع العقاقير، وتحوّلت إلى عدو شرس يمكنها أن تقضي على صحتنا بسهولة بالغة.
لم تنشئ شركات الأدوية مضادات حيوية جديدة، لأن الأمر يتطلب العديد من السنوات والكثير من التمويل لإجراء البحث والتطوير، فمعظم المركّبات الجديدة تفشل. وحتى لو نجحت، فإن المردود ضئيل: لا يتم بيع المضادات الحيوية وكذلك الدواء الذي يجب تناوله يوميًا. لذلك بالنسبة للعديد من شركات الأدوية، الحافز المالي ليس موجودًا. وإذا نظرنا إلى هذه الخسارة، فقد فكر العلماء في استخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة سرعة اكتشاف المضادات الحيوية، وكذلك خفض التكلفة.
2- الذكاء الاصطناعي والمضادات الحيوية: بارقة أمل
الارتفاع السريع في مقاومة مسبّبات المرض للأدوية، يستدعي الحاجة الماسة لإيجاد مضادات حيوية جديدة.قد يكون الأمر مجرد مسألة وقت، قبل أن يصبح الجرح أو الخدش مهدداً للحياة.وبينما تبدو الآفاق قاتمة، فإن الثورة الأخيرة في الذكاء الاصطناعي قد توفّر أملاً جديداً، ففي دراسة نُشِرت في 20 فبراير في مجلة Cell العلمية، استخدم علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد نوعًا من الذكاء الاصطناعي وهو التعلّم العميق لاكتشاف مضادات حيوية جديدة.
واكتشف باحثون لأول مرة، كيفية تحديد أنواع المضادات الحيوية الجديدة من خلال تدريب شبكة عصبية على التنبؤ بالجزيئات التي لها خصائص تؤدي إلى قتل البكتيريا، كما استخدموا كلمة “مثير” خمس مرات عند وصف اكتشافهم في الدراسة، وقد تكون حقاً لحظة مثيرة لكل من مجتمع الذكاء الاصطناعي ومجتمع الصحة العامة.
هذه ليست المرة الأولى التي يُظهر فيها الذكاء الاصطناعي إنجازاً في مجال الطب، فقد سبق أن أعلنت شركة بريطانية ناشئة تدعى “إكسانشيا” بالتعاون مع “سوميتومو داينيبون فارما” اليابانية أنها صنعت أول دواء مصمم من قبل الذكاء الاصطناعي لعلاج مرض نفسي وهو اضطراب الوسواس القهري وسيتم اختباره سريريًا على البشر.
3- لكن، كيف عثر الذكاء الاصطناعي على النوع الجديد من المضادات الحيوية؟
قام أعضاء فريق هارفارد و أم آي تي بالاستعانة بخوارزمية حاسوبية مبتكرة لتدقيق أرشيف رقمي هائل لأكثر من مئة مليون مركب كيميائي واختيارمركّبات محتملة قادرة على قتل الجراثيم بآليات تختلف عن آليات الأدوية الحالية.
وبخلاف البشر، ليس لدى الذكاء الاصطناعي أفكار مسبقة، خاصة حول الشكل الذي ينبغي أن يبدو عليه المضاد الحيوي.وسلطت هذه الطريقة الضوء على جزيء يسمى “هاليسين” (Halicin) الذي يملك خواصًا فعليةً للمضادات الحيوية، نجح في علاج السل لدى الفئران والتغلّب على الجراثيم المعوية المقاومة للمضادات الحيوية والتي تتضمن بكتيريا “الإشريشيا كولاي” والسالمونيلا.
وأظهر المضاد الحيوي فعاليته، ضد المطثيات الصعبة وهي جراثيم معوية تنتشر في المستشفيات وتسبب إنتانات الدم والجهاز البولي والرئة وهي حالة قد تُهدِّد الحياة بسبب استجابة الجسم للعدوى.
وعقب اكتشاف “هاليسين”، عاد الباحثون إلى قاعدة البيانات مجددًا واستخدموا الذكاء الاصطناعي بحثَا عن أدوية محتملة شبيهة، واستطاعوا خلال ثلاثة أيام تحديد 23 دواءً محتملًا تختلف بنيتها عن بنية المضادات الحيوية الحالية ولا تؤذي الخلايا البشرية، وأظهرت الاختبارات اللاحقة أن ثمانية من هذه الجزيئات تمتلك خواصًا مضادةً للجراثيم وأن اثنين منها قويا المفعول.
4- تكامل المعرفة البشرية والذكاء الاصطناعي
إن التعلّم العميق وحده، لا يكفي لاكتشاف المضادات الحيوية الجديدة، بل يجب أن يقترن بالمعرفة البيولوجية العميقة للعدوى، خصوصاً أن البكتيريا باتت تكتسب مقاومةً ضد المضادات الحيوية المعروفة، وهنا يأتي دورالأطباء، رغم أن الشبكات العصبية يمكنها من البحث عن جزيء قد يشكل نقلةً نوعية خلال أيام فقط لكنها لا يمكن أن تلغي دورهم.
ويمكن إدراك حجم التطلّعات التي أصبحت معلّقة على الذكاء الاصطناعي، من إعلان نظام الرعاية الصحية الوطني في بريطانيا، عن البدء في تأسيس وإنشاء معمل للذكاء الاصطناعي، ضمن خطة سيتم تمويلها بمبلغ 250 مليون جنيه إسترليني بهدف استخدام وتوظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الرعاية الصحية، ما من شأنه أن يرفع من مستوى وكفاءة الرعاية المقدمة، وأن يزيد من قدر الأمن والسلامة التي سيحظى بها المرضى، وخصوصاً على صعيد تجنّب الأخطاء البشرية والتي تعتبر من أهم أسباب الإصابات والوفيات في المنشآت الصحية، كما أنه سيحرّر أفراد الطاقم الطبي من الأعمال الروتينية التي تستهلك جزءاً كبيراً من وقتهم، وتمنحهم الفرصة لقضاء وقتٍ أطول مع مرضاهم، للتأكيد على أهمية التواصل الإنساني ضمن منظومة الرعاية الصحية.