ببطءٍ ولكن بثبات، يطرح الذكاء الاصطناعي تأثيره على العالم من خلال العديد من التطبيقات على اختلافها. ووفقًا لشركة “Gartner” البحثية فإنّ قرابة 40 % من الشركات الكبرى ستطبّق حلولًا ترتكز على هذه التقنية في العام الجاري. ورغم أنّ هذه التوقّعات قد تمّ التنبّؤ بها قبل انتشار جائحة “كوفيد 19” التي أسفرت عن إبطاء عجَلة نمو الاقتصاد العالمي، إلّا أن هذه الأرقام تعكس حالة النموّ المطرّد للذكاء الاصطناعي مع مرور الوقت. لكن، ماذا عن دور هذه التقنية في الخدمات المالية؟ في هذه المقالة نستعرض دور الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع مع استحضار أمثلةٍ في هذا الإطار.
1- إدارة المخاطر
في عالم المال يكون الوقت هو المال. وبالنسبة لحالات الخطر، يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل تاريخ الحالة، وتحديد أي مشاكل محتملة لها. ويشمل ذلك استخدام التعلم الآلي لإنشاء نماذج دقيقة تمكّن الخبراء الماليين من إتّباع اتجاهات معينة وملاحظة المخاطر المحتملة. كما يمكن لهذه النماذج أيضًا التأكّد من الحصول على معلومات أكثر موثوقية لاستخدامها في نماذج التدريب المستقبلية. ويعني استخدام التعلّم الآلي في إدارة المخاطر أنّ هناك كمياتٍ كبيرة من البيانات يمكن أن تخضع لمعالجة سريعة في فترة زمنية قصيرة. ويمكن أيضًا إدارة كل من البيانات المنظمة وغير المهيكلة باستخدام الحوسبة الإدراكية (Cognitive Computing) وهي الحوسبة القائمة على الإدراك، وتتضمّن إنشاء أنظمة قادرة على التعلّم الذاتي، والتعرّف على الأنماط، وفهم اللغة، والعمل في النهاية دون تدخّل الإنسان. وتستعين شركة “Kensho” الأميركية بالذكاء الاصطناعي لتوفير تحليلات البيانات للمؤسسات المالية، كما تستخدم الحوسبة السحابية إلى جانب معالجة اللغة الطبيعية لتقديم حلول تحليلية معقّدة بلغة مفهومة حول المخاطر المحتملة للشركات.
2- منع الاحتيال
تتعامل المؤسسات المالية مع كمياتٍ ضخمة من البيانات الحساسة المرتبطة بعملائها، إلى جانب تعاملها مع أموال المودعين. ويتصدّر الاحتيال لائحة التهديدات التي يمكن أن تحدث في قطاع المال، فخطأ واحدٌ فقط كفيلٌ أن يتسبّب بخسائر كبيرة. ويتمّ استخدام الذكاء الاصطناعي لتفادي ذلك، من خلال مراجعة تاريخ الإنفاق وسلوكياته بحيث يمكن أن يسلّط الضوء على المخالفات، مثل استخدام بطاقة في مواقع عالمية مختلفة في غضون فترة زمنية قصيرة. وتقدّم شركة “Shape Security” خدمات كشف الاحتيال للبنوك الأمريكية، والاحتيال في البطاقات الائتمانية، وتتبّع بطاقات الهدايا وغيرها، وذلك من خلال نماذج التعلّم الآلي التي تم تدريبها على الكثير من الطلبات، بحيث تكون قادرة على التمييز بين العملاء الحقيقيين والروبوتات. وبالمثل تقوم منصة “Data Visor” بالعمل على البيانات الكبيرة من أجل مكافحة الاحتيال في المعاملات المالية وتقول إن نسبة الكشف عن الاحتيال تتخطّى نسبة 90%.
3- تخصيص الخدمات
في مجال الخدمات المصرفية، تستطيع برامج الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي توفير حلول شاملة للعميل وفق حالته، وتقليل أعباء عمل مراكز خدمة العملاء. ويعمل المساعدون الافتراضيون على الاستجابة الصوتية التفاعلية لزيادة كفاءة الخدمات المقدّمة، حيث تتميز بقدرتها على التحقّق من الأرصدة ونشاط الحساب وجدولة المدفوعات… وتمتلك العديد من البنوك تطبيقات تقدّم المشورة المالية المخصصّة وتساعد في تحقيق الأهداف المالية. وتستطيع هذه الأنظمة الذكية من تتبّع الدخل والمصروفات العادية وسلوكيات الإنفاق، ومن ثمّ تقديم الخطط والاقتراحات للزبائن. كما يمكن لتطبيقات الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول أيضًا التذكير بعمليات دفع الفواتير وإتمام المعاملات والتفاعل مع البنوك بشكل أكثر راحة. ومن الأمثلة على ذلك نذكر “Abe AI” وهو مساعد مالي افتراضي يمكنه الاندماج في أنماط اتصال مختلفة مثل “أليكسا” من شركة “أمازون” أو “غوغل هوم” وغيرها. وهو يوفّر خدمات تتضمّن طلبات الدعم ومحادثات الخدمات المصرفية والإدارة المالية.
4- التداول الكمّي
يشهد التداول الكمّي أو الاستثمار المستند إلى البيانات نموًّا ملحوظًا في مختلف أسواق البورصة والأسهم حول العالم. وتعتمد شركات الاستثمار على علوم الحوسبة وعلم البيانات لتوقّع الأنماط المستقبلية في السوق بشكلٍ دقيق. ويوفّر الذكاء الاصطناعي هذه الميزة، من خلال قدرته على مراقبة الأنماط من البيانات السابقة والتنبؤ باحتمالية تكرارها فيما بعد. وعندما تكون هناك بعض الحالات الشاذة في البيانات، مثل الأزمة المالية، يمكن للذكاء الاصطناعي دراسة البيانات والإشعار بالمحفّزات المحتملة، ثم الاستعداد لها في المستقبل. كما أنه لديه القدرة على تخصيص الاستثمارات للمستثمرين ومساعدتهم على اتخاذ القرارات. وفي هذا الإطار، نذكر “Kavout” وهي شركة أميركية تعمل على استخدام التحليل الكمي والتعلّم الآلي لمعالجة البيانات وتحديد الأنماط في الأسواق المالية، وتستطيع أدواتها معالجة كميات كبيرة من البيانات والحدّ منها وفق الحاجة، ليتمّ تطبيقها على مخزون بيانات معينة.
5- صناعة القرار
في العديد من المجالات، يتمّ استخدام التقنية بفاعلية في عمليات صنع القرار. أحد هذه المجالات هو الائتمان، حيث يمكن لهذه التقنية تقديم تقييمات دقيقة للمقترضين المحتملين بسرعة وبتكلفةٍ أقلّ. وبالمقارنةً مع أنظمة تسجيل الائتمان التقليدية، يمكن أن يكون نظام التصنيف الائتماني للذكاء الاصطناعي أكثر تعقيدًا، إذ يستطيع المساعدة في تحديد المتقدمين الذين هم أكثر عرضة للتخلف عن السداد، وأولئك الذين يفتقرون إلى أي سجلّ ائتماني موثوق. كما تأتي النماذج الذكية عاملًا مساعدًا في القرارات البشريّة خصوصًا أنّ الحصول على ائتمانٍ جيد يعدّ أمرًا ضروريًا للعديد من الأفراد بدءًا من عمليات الشراء الكبيرة أو الحصول على وظيفة أو حتّى استئجار شقة. كذلك، تُستخدم حلول الاكتتاب المدعومة بالذكاء الاصطناعي من قبل شركات مثل”Zest Finance” التي تمكّن الشركات من تقييم العملاء ذوي المستويات المنخفضة من تاريخ الائتمان، وهذا من شأنه أن يوفّر وسائل شفافة للنظر في المجموعات التي قد تصنَّف على أنها حالات عالية المخاطر ائتمانيًّا.
وكما نرى، يمكن جعل الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أسرع وأكثر كفاءة وموثوقية. وتجد هذه التقنية مكانها بالمزيد من التطبيقات في عالم الخدمات المالية، ويتمّ اعتمادها على نطاقٍ واسع من قبل الشركات. وسيكون لها إمكانات كبيرة في عالم المال، وهذا سوف يساعد روّاد الأعمال على اتخاذ قراراتٍ صائبة لكن شريطة استخدام البيانات الصحيحة.